المواطن والوطني.. فرق يتجاوز الكلمات



المقدمة:

هل كل من يحمل جنسية وطنه هو بالضرورة وطني؟ وهل تقتصر الوطنية على مجرد إبداء الولاء عند الحاجة؟ في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير فيه المفاهيم، يبرز فارق جوهري بين مصطلحين لطالما ارتبطا ببعضهما البعض: "المواطن" و"الوطني". الأول قد يكون صفة قانونية، أما الثاني فهو قناعة راسخة وفعل دائم. هذا المقال يغوص في أعماق الفارق بين المفهومين، ليفكك العلاقة بين الحقوق والواجبات، وبين الانتماء والولاء.

المواطن: حقوق وواجبات بحدود

المواطن هو الشخص الذي يعيش في الوطن ويتمتع بحقوقه ويؤدي واجباته التي يحددها القانون. مواطنته تبدأ من لحظة الميلاد أو من خلال وثيقة رسمية (التجنيس). هو يرى الوطن مكاناً يوفر له الأمن والخدمات وفرص العيش، وأولويته الأساسية هي راحته الشخصية وراحة أحبائه. عندما يُسأل المواطن عن دوره في الدفاع عن الوطن، قد تكون إجابته: "عند الأمر أو الاستدعاء"، فهو يرى ذلك واجباً قانونياً يتطلب توجيهاً من السلطة. في مفهومه، الوطن هو مكان خارجي يعيش فيه، وليس كياناً داخلياً يحمله في قلبه.

الوطني: ولاء ينبع من الداخل

الوطني هو من يحمل الوطن في داخله. وطنيته لا تبدأ من وثيقة أو قانون، بل من قناعة داخلية وإيمان عميق بأهمية وطنه وقيمته. بالنسبة للوطني، الوطن ليس مجرد مكان جغرافي، بل هو هوية وتاريخ ومستقبل مشترك. أولويته الأولى هي وطنه قبل أي مصلحة شخصية. هو لا ينتظر أمراً أو استدعاءً للدفاع عن وطنه، بل يذود عنه في كل لحظة، سواء كان ذلك بكلمة طيبة، أو عمل تطوعي، أو الدفاع عن سمعته في وجه من يسيء إليه.

الوطنية تبدأ من الغرفة... درس من الحياة

الوطنية ليست شعاراً يُرفع، بل هي سلوك يُمارس. وأعمق الدروس في هذا السياق يمكن أن تُغرس فينا منذ الصغر من خلال حكاية بسيطة نطبقها مع أطفالنا.

لتبدأ في تعليم ابنك أو ابنتك الوطنية، ابدأ معهم من حيث هم: من غرفتهم الخاصة.

 * الخطوة الأولى: وطن صغير في وطن كبير.

   اجلس مع طفلك واشرح له أن "الغرفة" هي وطنه الصغير. ثم اشرح له أن هذا الوطن محاط بمناطق أكبر (المنزل)، ومناطق أكبر (الحي)، حتى نصل إلى الوطن الكبير الذي نعيش فيه جميعاً.

 * الخطوة الثانية: سلسلة الدفاع المتصلة.

   علمهم أن الدفاع عن هذا الوطن الصغير ليس إلا جزءًا من سلسلة متصلة:

 * دافع عن غرفتك: لأنه وطنك الصغير.

 * دافع عن منزلك: لأنه يضم غرفتك.

 * دافع عن حيك: لأنه يضم منزلك.

 * دافع عن وطنك: لأنه يضم حيك ومنزلك وغرفتك.

 * الخطوة الثالثة: الربط بالأمن الأكبر.

   بهذا التسلسل المنطقي، نرسخ في عقولهم وقلوبهم أن الدفاع عن الوطن ليس واجباً منفصلاً، بل هو حماية لكل ما يملكونه ويحبونه. وعندما يدركون أن "إذا خسر الكبار وطنهم، فإنكم ستخسرون غرفتكم"، فإنهم يفهمون أن أمانهم الشخصي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الوطن ككل. هذه اللحظة هي التي يولد فيها الإحساس بالمسؤولية، ويتحول المواطن الصغير إلى وطني حقيقي.

الخاتمة: لبناء مجتمع متكامل

لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ويعيش بسلام دون المواطن الصالح الذي يلتزم بقوانينه ويساهم في بنائه. ولكن الأمة لا تستطيع الصمود في وجه التحديات دون الوطني الذي يحملها في قلبه ويقدمها على نفسه. بناء الأجيال الوطنية يبدأ من غرس الشعور بالانتماء في الأسرة والمدرسة والمجتمع، عبر العدالة والمساواة، وتقدير الإنجازات، وفتح المجال للمشاركة. فالمواطنة قد تكون شهادة ميلاد، ولكن الوطنية هي شهادة وعي، وعطاء، وحب لا ينضب.


بقلم ظافر حمد فهد الزياني 
تم إعداده بالتعاون مع Gemini
ارشيف تم
كتابة ما كنت ادعو اليه

Post a Comment

أحدث أقدم